فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إِلى قوله: {يَعْمَلُونَ} وقال تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} إِلى قوله: {بَصِيرٌ} فبيّن أَنَّ الاستقامة بعدم الطغيان، وهو مجاوزة الحدود.
وقال: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ الهكُمْ اله وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.
وسئل صدّيق الأُمّة وأَعظمُها استقامةً أَبو بكر الصِّديق رضى الله عنه عن الاستقامة فقال: أَلاَّ تشرك بالله شيئًا.
يريد الاستقامة على محض التوحيد.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أَن يستقيم على الأَمر والنهى، ولا يروغ رَوَغان الثعلب.
وقال عثمان رضى الله عنه: استقاموا: أَخلصوا العمل لله.
وقال علىّ رضى الله عنه وابن عبّاس: استقاموا: أَدّوا الفرائض.
وقال الحسن البصرىّ: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته.
وقال مجاهد: استقاموا على شهادة أَن لا إِله إِلاَّ الله، حتىَّ لَحِقُوا بالله.
وقال بعضهم: استقاموا على محبّته وعبوديته، فلم يلتفتوا عنه يَمْنة ولا يسرة.
وعند مسلم عن سفيان بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله: قل لى في الإِسلام قولا لا أَسأَل عنه أَحدا غيرك، قال: «قل آمنت بالله ثم استقم».
وعند ثَوْبان يرفعه: «استقيموا ولن تُحصُوا، واعلموا أَنَّ خير أَعمالكم الصّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إِلاَّ مؤمن».
والمقصود من العبد الاستقامة وهى السّدَاد.
فإِن لم يقدر عليها فالمقاربة.
وعند مسلم مرفوعًا: «سَدِّدُوا وقاربوا، واعلموا أَنه لن ينجو أَحد منكم بعمله قالوا: ولا أَنت يا رسول الله؟ قال: ولا أَنا إِلا أَن يتغمَّدنى الله برحمة منه وفضل».
فجمع في هذا الحديث مقامات الدّين كلها.
فأَمر بالاستقامة وهى السّداد، والإِصابة في النيّات والأَقوال.
وأَخبر في حديث ثوبان أَنهم لا يطيقونها فنقلهم إِلى المقاربة، وهى أَن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالَّذى يرمى إِلى الغرض وإِن لم يُصبه يقاربه.
ومع هذا فأَخبرهم أَن الاستقامة والمقاربة لا تنجى يوم القيامة، فلا يركن أَحد إِلى عمله، ولا يرى أَن نجاته به، بل إِنَّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله.
فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهو القيام بين يَدى الله تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاءِ بالعهد.
والاستقامة تعلَّق بالأَقوال والأَفعال والأَحوال والنِّيات.
فالاستقامة فيها، وقوعها لله وبالله وعلى أَمر الله.
قال بعض العارفين: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة، فإِن نفسك متحرّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة.
فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن، فكما أَنَّ البدن إِذا خلا عن الرّوح فهو ميّت، فكذلك الحال إِذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد.
وكما أَن حياة الأَحوال بها، فزيادة أَعمال الزَّاهدين أَيضًا ونورها وزكاؤُها بها، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونها. والله أَعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا}.
إذا مَسَّه ضُرٌّ خَشَعَ وخَضَع، وإلى قُرْبه فزع، وتملَّق بين يديه وتضرع. فإذا أزال عنه ضُرَه، وكفاه أمرَه، وأصلح شغْلَه نَسِيَ ما كان يدعو إليه من قبل، وجعل لله أندادًا، فيعود إلى رأس كفرانه، وينهمك في كبائر عصيانه، ويُشْرِكَ بمعبوده. هذه صِفَتُه فَسُحْقًا له وبُعْدًا، ولِسَوف يَلْقى عذابًا وخِزْيًا.
قوله جلّ ذكره: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ الَّيْلِ سَاجدًّا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الأَخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِهِ}.
قانتًا: القنوتُ هو القيامُ، وقيل طول القيام. والمراد هو الذي يقوم بحقوق الطاعةِ أوقاتَ الليل والنهار؛ أي في جيمع الأوقات.
والهمزة للاستفهام أي أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟ أمن هو قانت كالكافر الذي جرى ذِكْرُه؟ أي ليس كذلك.
ويقال القنوتَ القيامُ بآداب الخدمة ظاهرًا وباطنًا من غير فتور ولا تقصير.
{يَحْذَرُ} العذابَ الموعودَ في الآخرة، {ويرجو} الثوابَ الموعودَ. وأراد بالحَذَرِ الخوف.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتّذَكَّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ}.
أي هل يستويان؟ هذا في أعلى الفضائل وهذا في سوء الرذائل! {الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} العِلْمُ في وصف المخلوق على ضربين: مجلوبٌ مُكْتَسَبٌ للعبد، وموهوبٌ مِنْ قِبَل الربِّ. ويقال مصنوع وموضوع. ويقال علمُ برهانٍ وعلمُ بيان؛ فالعلومُ الدينية كلُّهَا برهانية إلاَّ ما يحصل بشرط الإلهام.
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} أطيعوه واحذروا مخالفةَ أمره.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هَذِهِ الدُّنْيَا} بأداء الطاعات، والإحسان هو الإتيان بجيمع وجوه الإمكان.
{وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} أي لا تَتَعَلَّلوا بأذى الأعداء؛ إِنْ نَبَأ بِكُم منزلٌ فَتَعَلُّلُكم بمعاداة قوم ومَنْعِهِم إياكم- لا يُسْمَع، فأرضُ اللَّهِ واسعةٌ، فاخْرُجُوا منها إلى موضع آخر تتم لكم فيه عبادتُكم.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بَغَيْرِ حِسَابٍ}. والصبر حَبْسُ النَّفْس على ما تكرهه. ويقال هو تجرُّعُ كاسات التقدير من غير استكراهٍ ولا تعبيس.
ويقال هو التهدُّفُ لسهام البلاء. اهـ.

.تفسير الآيات (11- 16):

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت الأعين ناظرة إلى الأمر هل يفعل ما يأمر به ومقيده بالرئيس لتأتسي به، وكان أعظم الصابرين من جاهد نفسه حتى خلص أعمالها من الشوائب وحماها من الحظوظ والعوائق، وصانها من الفتور والشواغل، أمره بما يرغبهم في المجاهدة، ويكشف لهم عن حلاوة الصبر، بقوله: {قل} ولما كان الرئيس لقربه من الملك بحيث يظن أنه يسامحه في كثير مما يكلف به غيره أكد قوله: {إني أمرت} وبني الفعل لما لم يسم فاعله تعظيمًا للأمر بأنه قطع ومضى بحيث لم يبق فيه مشوبة، وأقام مقام الفاعل دليلًا على أنه العمدة للحث على لزومه قوله: {أن أعبد الله} أي الذي الخلق كلهم سواء بالنسبة إلى قبضته وعلوه وعظمته لأنه غني عن كل شيء {مخلصًا له الدين} أي العبادة التي يرجى منه الجزاء عليها.
ولما كان الرئيس إذا سابق إلى شيء شوق النفوس إليه، وأوجب عليها العكوف عليه قال: {وأمرت} أي، وقع الأمر لي وانبرم بأوامر عظيمة وراء ما أمرتم به لا تطيقونها {لأن} أي لأجل أن {أكون} في وقتي وفي شرعي {أول} أي أعظم {المسلمين} أي المنقادين في الرتبة الحائزين قصب السبق بكل اعتبار لأوامر الإله الذي لا فوز إلا بامتثال أوامره أو أسبق الكائنين منهم في زماني، فجهة هذا الفعل غير جهة الأول، فلذلك عطف عليه لأنه لإحراز قصب السبق، والأول لمطلق الإخلاص في العبادة.
ولما كان ما أمر به مفهمًا لأن يكون مع ترغيب ومع ترهيب، وكان ربما ظن أن الرئيس لا يرهب الملك لأمور ترجى منه أو تخشى، وكان تكرير الأمر بإبلاغ المأمورين أوقع في قلوبهم وأشد إقبالًا بنفوسهم قال تعالى: {قل} أي لأمتك، وأكد- لما في الأوهام أن الرئيس لا يخاف- قوله: {إني أخاف} أي مع تأمينه لي بغفران ما تقدم وما تأخر إخلاصًا في إجلاله وإعظامه وفعلًا لما على العبد لمولاه الذي له جميع الكبرياء والعظمة، ولما كان وصف الإحسان ربما جرًا على العصيان، يبن أنه لا يكون ذلك إلا لعدم العرفان فقال: {إن عصيت ربي} أي المحسن إليّ المربي لي بكل جميل فتركت الإخلاص له {عذاب يوم عظيم} وإذا كان اليوم عظيمًا، فكيف يكون عذابه.
ولما بين ما أمر به، وأعلم أنه يخاف من مخالفة الأمر له بذلك فأفهم أنه ممتثل لما أمر به، أمره سبحانه بأن يصرح بذلك لأن التصريح من المزية ما لا يخفى فقال: {قل الله} أي المحيط بصفات الكمال وحده {أعبد} تخصيصًا له بذلك، لا أنحو أصلًا بالعبادة نحو غيره أبدًا {مخلصًا له} وحده {ديني} أي امتثالًا لما أمرت به فلا أشينه بشائبة أصلًا لا طلبًا لجنّة ولا خوفًا من نار فإنه قد غفر لي ما تقدم وما تأخر، فصارت عبادتي لآجل وجهه وكونه مستحقًا للعبادة خاصة شوقًا إليه وحبًا له وحياء منه وأما الرغبة فيما عنده سبحانه والخوف من سطواته التي جماعها قطع الإحسان الذي هو عند الأغبياء أدنى ما يخاف فإنما خوفي لأجل إعطاء المقام حقه من ذل العبودية وعز الربوبية.
ولما علم من هذا غاية الامتثال بغاية الرغبة والرهبة وهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم أقواهم قلبًا وأصفاهم لبًا، وأجرأهم نفسًا وأصدقهم وأشجعهم عشيرة وحزبًا، كان خوف غيره من باب الأولى، فسبب عنهد تهديدهم أعظم تهديد بقوله: {فاعبدوا} أي أنتم أيها الداعون له في وقت الضراء المعرضون عنه في وقت الرخاء {ما شئتم} أي من جماد أو غيره.
ونبّه على سفول رتبة كل شيء بالنسبة إليه سبحانه تسفيهًا لمن يلتفت إلى سواه بقوله: {من دونه} فإن عبادة ما دونه تؤدي إلى قطع إحسانه، ولا إحسان إلا إحسانه، فإذا انقطع حصل كل سوء، وفي ذلك جميع الخسارة.
ولما كانوا يدعون الذكاء، ويفعلون ما لا يفعله عاقل، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على غباوتهم بما يصيرون إليه من شقاوتهم فقال: {قل إن الخاسرين} أي الذين خسارتهم هي الخسارة لكونها النهاية في العطب {الذين خسروا أنفسهم} أي بدخولهم النار التي هي معدن الهلاك لعبادتهم غير الله من كل ما يوجب الطغيان.
ولما كان أعز ما على الإنسان بعد نفسه أهله الذين عزه بهم قال: {وأهليهم} أي لأنهم إن كانوا مثلهم فحالهم في الخسارة كحالهم، ولا يمكن أحدًا منهم أن يواسي صاحبه بوجه فإنه لكل منهم شأن يغنيه، وإن كانوا ناجين فلا اجتماع بينهم.
ولما كانت العاقبة هي المقصودة بالذات، قال: {يوم القيامة} لأن ذلك اليوم هو الفيصل لا يمكن لما فات فيه تدارك أصلًا ولما كان في ذلك غاية الهول.
كرر التعريف بغباوتهم تنبيهًا على رسخوهم في ذلك الوصف على طريق النتيجة لما أفهمه ما قبله فقال مناديًا لأنه أهول مبالغًا بالاستئناف وحرف التنبيه وضمير الفصل وتعريف الخبر ووصفه: {ألا ذلك} أي الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة جدًّا {هو} أي وحده {الخسران} أتى بصيغة الفعلان المفهم مطلقًا للمبالغة فكيف إذا بنيت على الضم الذي هو أثقل الحركات، وزاد في تقريعهم بالغباوة بقوله: {المبين}.
ولما علم بهذا أنه البين في نفسه المنادي بما فيه من القباحة بأنه لا خسران غيره، فصله بقوله على طريق التهكم بهم: {لهم} فإن عادة اللام عند مصاحبة المجرور ولاسيما الضمير إفهام المحبوب للضمير لاسيما مع ذكر الظلل وأشار إلى قربها منهم بإثبات الجار فقال: {من فوقهم ظلل} ولما أوهمهم ذلك الراحة، أزال ذلك بقوله: {من النار} وذلك أنكأ مما لو أفهمهم الشر من أول الأمر.
ولما كان في القرار- كائنًا ما كان على أي حال كان نوع من الراحة بالسكون، بين أنهم معلقون في غمرات الاضطراب، يصعدهم اللهيب تارة، ويهبطهم انعكاسه عليهم برجوعه إليهم أخرى، فلا قرار لهم أصلًا كما يكون الحب في الماء على النار، يغلي به صاعدًا وسافلًا، لا يقر في أسفل القدر أصلًا لقوله: {ومن تحتهم}.
ولما كان كون الظلة المأخوذة من الظل من تحت في غاية الغرابة، أعادها ولم يكتف بالأولى، ولم يعد ذكر النار لفهمها في التحت من باب الأولى فقال: {ظلل} ومما يدل على ما فهمته من عدم القرار ما رواه البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «من رأى منكم الليلة رؤيا، فسألنا يومًا قلنا: لا، قال: لكني رأيت رجلين أتياني فأخذا بيدي وأخرجاني إلى الأرض المقدسة» فذكره بطوله حتى قال: «فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، توقد تحته نار، فإذا فيه رجال ونساء عراة فيأتيهم اللهيب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون فإذا خمدت رجعوا» فذكره وهو طويل عظيم، ثم فسرهم بالزناة.
لما كان هذا أمرًا مهولًا، وهو لا يرهبونه ولا يرجعون عن غيّهم به، ذكر فائدته مع الزيادة في تعظيمه فقال: {ذلك} أي الأمر العظيم الشأن {يخوف الله} أي الملك الأعظم الذي صفاته الجبروت والكبر {به عباده} أي الذين لهم أقلية الإقبال عليه ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم فيعيذهم منه.
ولما أهلهم للإضافة إليه وخوفهم سطواته، أقبل عليهم عند تهيئتهم للاستماع منبهًا على أنه تخويف استعطاف فقال: {يا عباد فاتقون} أي سببوا عن ذلك أن تجعلوا بينكم وبين ما يسخطني وقاية مما يرضيني لأرضى عنكم. اهـ.